مقالة جدلية الدال والمدلول
الدال والمدلول
المقدمة: اذا كانت اللغة جملة من الاشارات يمكن ان تكون وسيلة للتواصل فهي ايضا قدرة على إنشاء الإشارات التي يستعملها الإنسان استعمالا فيه معنى ودلالة على تلك المعاني التي يتفاهم بها الفرد مع غيره . وفي هذا السياق قد يتأكد لدينا ان بنية الكلام تتكون من ما يُسمى ب الوحدات الصوتية " الفونيمات والمونيمات" اذ الرمز ما هو الا علامة تتضمن صفات الشيء الذي تدل عليه ، كما توجد وحدة اساسية في عملية التواصل بين الناس وتعرف بالعلامة اللغوية وهذه الاخيرة تتألف من الدال والمدلول فاذا كان الدال هو عبارة عن أصوات لها طابع مادي فالمدلول هو الصور الذهني للشيء ومن هذا قد يتبادر إلى الذهن التساؤل التالي:هل العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية ام علاقة اعتباطية؟
محاولة حل المشكلة :
الموقف الأول: " العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية"يتصور أنصار هذا الموقف ان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية ، وهذا ما تراه نظرية محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة ، أي انه متى وجد اللفظ وجد المعنى المتصور ، فاللفظ يطابق ما يدل عليه في العالم الخارجي اذ أن العلامة اللسانية بنية واحدة يتحد فيها الدال بالمدلول ، وهذا ما يؤكده بعض اللغويين المعاصرين ، وفي غياب هذا الاتحاد تفقد العلامة اللسانية هذه الخاصية . ان ذهن الإنسان لا يقبل الأصوات التي لا تدل على شيء أي التي لا تحمل معنى ، ثم ان التسليم باعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول لا ينسجم مع الواقع الإنساني دائما ، وربما لهذا السبب قام اتجاه اخر يرى ان العلاقة بين الدال والمدلول اكثر من ضرورية حيث ان اللفظ يطابق ما يدل عليه في العالم الخارجي ، وهناك كلمات كثيرة مستمدة من الواقع الطبيعي فمثلا لفظ "خرير " يشير الى الصوت الطبيعي الذي يحدثه انسياب الماء . ولفظ "شخير" يشير الى صوت طبيعي قد يحدثه النائم يقول هيجل حول السياق في مؤلفه "فلسفة الروح" :" نحن نفكر داخل الكلمات " أي ان الاسماء مرتبطة بمسمياتها ، فالرمز اللغوي ليس خاويا من الدلالات فالكلمة وسيط بين افكارنا وتجاربنا ، فهي ترتبها وتنقلها من طابعها الذاتي الى تجارب يدركها الاخرين ، وهكذا ندرك ان الموقف المعاصر تجاوز التصور الكلاسيكي لأفلاطون واتباعه الذين اعتقدوا ان " علاقة الكلمة بالشيء هي علاقة طبيعية تعكس فيها الكلمات اصواتا طبيعية وتحاكيها " فالأسماء هي عبارة عن ادوات نسمي بها الاشياء على نحو طبيعي وبحسب الخصائص الذاتية التي تحملها هذه الاشياء ، بحسب أفلاطون .
النقد والمناقشة :لقد وجهت جملة من الانتقادات إلى أصحاب هذا الموقف الذين راوا بان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية ، لكن نلاحظ ان الكلمات لا تحاكي الاشياء . وهكذا إذن لا وجود لعلاقة ضرورية بين الدال والمدلول،لأنه لو كانت كذلك . فكيف نفسر تعدد الألفاظ والمسميات لشيء واحد ؟.
الموقف الثاني : نقيض القضية":" العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية"يرى انصار هذا الموقف ان العلاقة بين الدال والمدلول ليست ضرورية ، فهي اعتباطية أي ان الربط بينهما مؤسس على التعسف وهذا ما يراه أنصار ، التواضعية الاعتباطية " العفوية " ، فان العلامة اللسانية لا تُوجد اسم ومسمى ، بل بين مفهوم وصورة سمعية . فمثلا اذا اخذنا كلمة "اخت" فإننا نجدها تتكون من الحروف التالية "
(ا، خ، ت) وكل حرف عند ذكره يعبر عنه صوت يختلف عن أصوات الحروف الأخرى ، وتتابع هذه الأصوات هو بالفعل الذي نعبر عنه بالدال ، بينما المدلول فيتمثل في معنى الأخت وبالتالي لا توجد ضرورة عقلية او تجريبية تفرض على اللغة العربية ان تعبر على هذا المعنى بهذه الأصوات واذا نظرنا الى لغات أخرى كاللغة الفرنسية والإنجليزية فإننا نلاحظ تتابع أصوات أخرى للتعبير عن معنى الأخت ، ففي اللغة الفرنسية نقول)s.o.e.u.r( اما في اللغة الإنجليزية فنقول ( s.i.s.t.r) . ويكشف " دوسوسير " ان العلاقة اللسانية لا تعبر مباشرة عن الشيء ، وإنما تعبر عن تصورنا لهذا الشيء . فالفكرة هي التي تنتج العلامة اللسانية ،فهي تعبير عن الواقع كما يدركه الفكر وحجته في ذلك ان" المفهوم " "أخت" لا تربطه اية علامة داخلية بتتابع الأصوات التالية : " الهمزة ،الضمة ، الخاء ، التاء ، التنوين" الذي يقوم له دالا . ومن الممكن ان تمثله اية مجموعة اخرى من الأصوات ويؤكد ذلك ما يوجد بين اللغات من فوارق في تسمية الأشياء . بل واختلاف اللغات نفسه ، وقد بينت الدراسات المقارنة بين اللغات مدى اختلاف التعبيرات من لغة الى أخرى ولا يستثني " دوسوسير" دور المجتمع في انجاز المفاهيم اللغوية ، فاللغة انتاج اجتماعي وظاهرة نفسية وهذا لا يعني إن اللغة خاضعة لحرية الافراد حيث يقول : " فلا ينبغي ان يفهم منها ان الدال خاضع لمحض اختيار المتكلم اذ سنرى فيم يلي انه ليس بوسع الفرد ان يلحق اي تغيير بعلامة قد اتفقت عليها مجموعة لسانية ما . انما نعني ان الدال امر غير مبرر اي انه اعتباطي بالنسبة الى المدلول وليس له اي رابط طبيعي موجود في الواقع " . وبناء على هذا جاز لنا أن نتساءل ، لو كانت العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية،فلماذا تتباين الاصوات ؟.
النقد والمناقشة :لكن نلاحظ انه ليس من الممكن التسليم بهذا الموقف الذي يرى بان العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية حيث يقول ابن جني :" إن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة ... كان يجتمع حكيمان او ثلاثة فصاعدا فيحتاجوا الى الابانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة "رمزا" ولفظا ، اذا ذكر عُرف به ما مسماه ليمتاز من غيره ، ويغني بذكره عن إحضاره الى مرآة العين " . فإذا أخذنا بموقف القائلين باعتباطية اللغة فهذا لا يعني ان كل فرد منا له الحرية في وضع العلامات واستعمالها حسب ما تفرضه نزوته بل عليه إن يتقيد بما يأخذ به الاستعمال الاجتماعي .
التركيب :عموما قد ننظر الى الدال والمدلول من ناحيتين الأولى نظرية والثانية عملية؛فمن الناحية النظرية يكون الربط بينهما تعسفي تحكمي لأنه يمكن القول بعدم بوجود ضرورة ذاتية بين الاشارة اللفظية والمشار اليه ، بمعنى انه لا توجد علاقة ضرورية بين الأسماء والمسميات فمثلا : ما ندعوه قلما كان بالإمكان ان ندعوه كرسي او شيء اخر . اما اذا نظرنا إليهما من الناحية العملية فتوجد ضرورة عملية تُحمل اللفظ دلالة ثابتة ، بحيث كلما ذُكر اللفظ قام في الذهن معناه وايضا كلما قام المعنى في الذهن لازمه تمثل اللفظ الدال عليه ، فمثلا : كلمة إنسان في اللغة العربية دائما تدل على الكائن الحي العاقل . فماذا نستنتج رغم تعدد الرؤى والمواقف الفلسفية ؟.
الخاتمة : وفي الأخير نستنتج مما سبق ذكره ان العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية من الناحية النظرية ، وضرورية من الناحية العملية ، فاللغة نسيج من المحاكاة لأصوات الطبيعة والمواضعة الرمزية ، لان الإنسان كائن طبيعي وثقافي في نفس الوقت يتجاوز بعده البيولوجي بقدرته على الترميز للتواصل مع الجماعة .
🤦🤦🤦🤦🤦
ردحذفتلخيص
حذفسلام
ردحذفو عليكم السلام
ردحذف??
كبيرة بزااااف ديرولنا تلخيص
ردحذفجزاكم الله كل خير
ردحذفيجب ان يكون ملخص
ردحذفمقالة استقصاء بالوضع دافع عن الاطروحة القائلة انا اللغة قادرة على مسايرة ديمومة الفكر
ردحذفلا يوجد تلخيص آخر من فضلكم👍👍
ردحذف