مقالة جدلية حول الحق والواجب
الحق والواجب :
المقدمة :
كانت الحياة البدائية للإنسان تسير وفق قانون الغاب حيث البقاء يكون للأقوى فالقوي لديه الحق في أن يأخذ أي شيء مادام يستطيع ، إلا أن هذا القانون زرع الفوضى وحصدت منه المجتمعات قديما الاضطرابات المختلفة إلى أن شُرعت القوانين وضُبطت العلاقات بقوانين محددة ، فالقوانين جاءت كنتيجة حتمية بين الحق والواجب . حول هذا الإشكال اختلف جمهور الفلاسفة حول أسبقية كل منهما حيث ذهب البعض إلى أسبقية الحق ويرى آخرون عكس ذلك وعليه هل الحق أسبق أم الواجب ؟
عرض منطق الأطروحة
يرى أنصار هذا الاتجاه ان العدالة تقوم على تقديم الحقوق على الواجبات و هذا ما أكده الفيلسوف سقراط عندما سئل عن مفهوم العدالة فقال "العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه " أي أن المطالبة بالحقوق تشكل صميم العدالة فالحق معطى طبيعي و قاعدة الجور في كثير من الأحيان هو لعدم المطالبة بالحق فالإنسان يولد وهو مزود بمجموعة من الحقوق الطبيعية كحق الغذاء ،التعبير، الحرية ،و هذا ما ذهب إليه فلاسفة القانون الطبيعي إن العدالة تعطي الأولوية للحقوق فيقول وولف في هذا الصدد "كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا بل الحقوق التي يتمتع بها الفرد بمجرد أن يولد من غير المطالبة بها"فحق الفرد سابق لواجب الدولة و هذا من منطلق إن القانون الطبيعي سابق لنشات الدولة يقول جون لوك "لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية و التمتع بجميع الحقوق الطبيعية فان له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه أي حياته و حريته و ممتلكاته فحسب بل في أن يحاكم الآخرين في خرقهم لهذا القانون "فلا بد أن تكون العدالة قائمة على أساس أسبقية الحق لان ذلك يحفز الناس و يزرع التنافس بينهم ويفتح السبيل أمام الإفراد مما يجعل المطالبة به فضيلة و تحافظ على مدنية الإنسان ،فالحق حارس العدالة ،لان الوجود يتوقف على هذه الحقوق فالعدالة المطلقة تقتضي احترام الطبيعة البشرية في إقرارها بالحقوق الملازمة لكينونتها البشرية التي تضمنها القوانين الطبيعية بدليل أن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان تطالب بها فالمادة 3 من إعلان حقوق الإنسان تنص على أن هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية ( الحرية ، الملكية ، الأمن ) و المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على (لكل شخص التفكير في الحرية و الدين و الضمير )
النقد :
يمكن اعتبار ما جاء به أنصار هذا الاتجاه صحيح باعتبار أن الحق معطى طبيعي يولد مع الفرد و لكن الأسبقية التي نادى بها تؤدي إلى الإخلال بنظام العدالة و التعدي على مبدأ الاستحقاق الذي تؤسس علبه العدالة ،فجعل الحق في المقام الأول لا يجسد العدالة المطلوبة فهذ هو تكريس لهيمنة الأقوياء على الضعفاء كما ان المطالبة بالحقوق تؤدي إلى انتشار الفوضى فالواجب هو الذي ينظم المجتمع و يساهم في بنائه فهل هذا يعني إن العدالة الحقة هي التي تعطي الأولوية للواجب؟
عرض نقيض الأطروحة:
يرى أنصار هذا الاتجاه إن أصل العدالة تقوم على أسبقية الواجب ،وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف اليوناني افلاطون من الفكر الفلسفي اليوناني القديم عندما سئل عن العدالة فقال "العدل هو أداء الفرد لواجبه و امتلاكه لما يخصه" و أيد هذا الرأي فلاسفة الواجب الأخلاقي كانط الذي جعل الواجب أساس لبناء الأخلاق فيقول "شيئان يملئان نفسي إعجابا ،السماء المرصعة بالنجوم فوق راسي و الضمير الخلقي الذي يسري في صدري "لان الالتزام بالواجب الأخلاقي مقتضى عقلي و هذا ما يجعل من الإرادة الخيرة مصدر كل تشريع و من هذا المنطلق يرى كانط أن الواجب يقتضي القيام بالعمل لذات الواجب و ليس لما يترتب عليه من حقوق أي القيام بالواجب من اجل الواجب و فقط مثل العلم من اجل العلم و يرى دوركايم"ليس للفرد حقوق بل عليه واجبات فالإنسان لا يعيش لذاته فلو قام بواجبه لتحققت حقوق الجميع "فالتطور الاجتماعي يرتبط بأداء الواجبات فهي التي تمد المجتمع بما يلزمه من وسائل عكس الحقوق التي تستنزف المجتمع و نجد هذا الرأي عند الفيلسوف الاجتماعي اوغست كونت الذي يرى أن أولوية الواجب مقتضى وضعي فهو القاعدة التي تفرضها العاطفة و العقل فالأخلاق ذات طابع اجتماعي نابعة من الواجب كإلزام خارجي فلو قام كل بواجبه لما وجد من يطالب بحقه فالقوانين الوضعية تطالب الأفراد القيام بأعمال (واجبات )مقابل أجور (حقوق) فالواجب هو الذي يظهر الفرق بين الأفراد و يقوي العزيمة فبما أن الإنسان كائن مدني فان القيام بالواجب أولى بالمطالبة بالحق
النقد :
يمكن اعتبار ما جاء به أنصار هذا الاتجاه صحيح فلا يمكن للمجتمع أن يتطور دون قيام الفرد بواجباته و لكن بالمقابل ينتظر الحصول على حقه إلا أن ذلك لا يضمن حصوله على حقوقه فكثير من حالات الجور و التعسف و اللاعدل يكون مصدرها تجاهل الواجبات فالتاريخ يثبت ان النازية استعملت فكرة الواجب استعمالا سلبيا فكان الجندي الألماني ملزم بأداء الواجب بصورة عمياء وبدون نقاش و هذا ما يترتب عنه الفوضى و غياب هيئة العدالة
التركيب
ان العدالة الحق تتطلب تضامنا بين الحقوق والواجبات فحقوق البعض ما هي إلا واجبات البعض الأخر فالعبرة ليست بأسبقية احدهما على الأخر و إنما إحداث اتزان و توازن بينهما فبقدر ما يقوم الفرد من واجبات بقدر ما ينال حقوقه فمن الإجحاف ان يقتصر الفرد على المطالبة بحقه دون أداء واجبه كما أن القوانين الوضعية الحالية تقوم على الواجبات مقابل الحقوق و إذا كان الحق هو ادعاء تم تبريره بواسطة المجتمع فالواجب يعد بمثابة التزام يلزم الفرد ذاته به ،ومنه فعلى الحاكم أن يلزم المحكومين بأداء واجباتهم و يسهر على تأدية حقوقهم و هذا ما يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية
الخاتمة:
إن العدالة كقيمة أخلاقية تعبر عن عدة إبعاد للإنسان فالمجتمع الذي تتأسس عليه العدالة يضمن أكثر للإنسان إنسانيته فالمحافظة على القيم الاجتماعية تتم بالقانون النابع من العدالة الذي يضمن التوافق و الانسجام بين الحقوق و الواجبات وان وقع إفراط في احد الجانبين اختل التوازن وانهارت العدالة و منه فالعدالة لا تكمن أسبقية احدهما على الأخر بل إحداث نوع من المساواة دون تغليب احدهما على الأخر. .
المقدمة :
كانت الحياة البدائية للإنسان تسير وفق قانون الغاب حيث البقاء يكون للأقوى فالقوي لديه الحق في أن يأخذ أي شيء مادام يستطيع ، إلا أن هذا القانون زرع الفوضى وحصدت منه المجتمعات قديما الاضطرابات المختلفة إلى أن شُرعت القوانين وضُبطت العلاقات بقوانين محددة ، فالقوانين جاءت كنتيجة حتمية بين الحق والواجب . حول هذا الإشكال اختلف جمهور الفلاسفة حول أسبقية كل منهما حيث ذهب البعض إلى أسبقية الحق ويرى آخرون عكس ذلك وعليه هل الحق أسبق أم الواجب ؟
عرض منطق الأطروحة
يرى أنصار هذا الاتجاه ان العدالة تقوم على تقديم الحقوق على الواجبات و هذا ما أكده الفيلسوف سقراط عندما سئل عن مفهوم العدالة فقال "العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه " أي أن المطالبة بالحقوق تشكل صميم العدالة فالحق معطى طبيعي و قاعدة الجور في كثير من الأحيان هو لعدم المطالبة بالحق فالإنسان يولد وهو مزود بمجموعة من الحقوق الطبيعية كحق الغذاء ،التعبير، الحرية ،و هذا ما ذهب إليه فلاسفة القانون الطبيعي إن العدالة تعطي الأولوية للحقوق فيقول وولف في هذا الصدد "كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا بل الحقوق التي يتمتع بها الفرد بمجرد أن يولد من غير المطالبة بها"فحق الفرد سابق لواجب الدولة و هذا من منطلق إن القانون الطبيعي سابق لنشات الدولة يقول جون لوك "لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية و التمتع بجميع الحقوق الطبيعية فان له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه أي حياته و حريته و ممتلكاته فحسب بل في أن يحاكم الآخرين في خرقهم لهذا القانون "فلا بد أن تكون العدالة قائمة على أساس أسبقية الحق لان ذلك يحفز الناس و يزرع التنافس بينهم ويفتح السبيل أمام الإفراد مما يجعل المطالبة به فضيلة و تحافظ على مدنية الإنسان ،فالحق حارس العدالة ،لان الوجود يتوقف على هذه الحقوق فالعدالة المطلقة تقتضي احترام الطبيعة البشرية في إقرارها بالحقوق الملازمة لكينونتها البشرية التي تضمنها القوانين الطبيعية بدليل أن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان تطالب بها فالمادة 3 من إعلان حقوق الإنسان تنص على أن هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية ( الحرية ، الملكية ، الأمن ) و المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على (لكل شخص التفكير في الحرية و الدين و الضمير )
النقد :
يمكن اعتبار ما جاء به أنصار هذا الاتجاه صحيح باعتبار أن الحق معطى طبيعي يولد مع الفرد و لكن الأسبقية التي نادى بها تؤدي إلى الإخلال بنظام العدالة و التعدي على مبدأ الاستحقاق الذي تؤسس علبه العدالة ،فجعل الحق في المقام الأول لا يجسد العدالة المطلوبة فهذ هو تكريس لهيمنة الأقوياء على الضعفاء كما ان المطالبة بالحقوق تؤدي إلى انتشار الفوضى فالواجب هو الذي ينظم المجتمع و يساهم في بنائه فهل هذا يعني إن العدالة الحقة هي التي تعطي الأولوية للواجب؟
عرض نقيض الأطروحة:
يرى أنصار هذا الاتجاه إن أصل العدالة تقوم على أسبقية الواجب ،وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف اليوناني افلاطون من الفكر الفلسفي اليوناني القديم عندما سئل عن العدالة فقال "العدل هو أداء الفرد لواجبه و امتلاكه لما يخصه" و أيد هذا الرأي فلاسفة الواجب الأخلاقي كانط الذي جعل الواجب أساس لبناء الأخلاق فيقول "شيئان يملئان نفسي إعجابا ،السماء المرصعة بالنجوم فوق راسي و الضمير الخلقي الذي يسري في صدري "لان الالتزام بالواجب الأخلاقي مقتضى عقلي و هذا ما يجعل من الإرادة الخيرة مصدر كل تشريع و من هذا المنطلق يرى كانط أن الواجب يقتضي القيام بالعمل لذات الواجب و ليس لما يترتب عليه من حقوق أي القيام بالواجب من اجل الواجب و فقط مثل العلم من اجل العلم و يرى دوركايم"ليس للفرد حقوق بل عليه واجبات فالإنسان لا يعيش لذاته فلو قام بواجبه لتحققت حقوق الجميع "فالتطور الاجتماعي يرتبط بأداء الواجبات فهي التي تمد المجتمع بما يلزمه من وسائل عكس الحقوق التي تستنزف المجتمع و نجد هذا الرأي عند الفيلسوف الاجتماعي اوغست كونت الذي يرى أن أولوية الواجب مقتضى وضعي فهو القاعدة التي تفرضها العاطفة و العقل فالأخلاق ذات طابع اجتماعي نابعة من الواجب كإلزام خارجي فلو قام كل بواجبه لما وجد من يطالب بحقه فالقوانين الوضعية تطالب الأفراد القيام بأعمال (واجبات )مقابل أجور (حقوق) فالواجب هو الذي يظهر الفرق بين الأفراد و يقوي العزيمة فبما أن الإنسان كائن مدني فان القيام بالواجب أولى بالمطالبة بالحق
النقد :
يمكن اعتبار ما جاء به أنصار هذا الاتجاه صحيح فلا يمكن للمجتمع أن يتطور دون قيام الفرد بواجباته و لكن بالمقابل ينتظر الحصول على حقه إلا أن ذلك لا يضمن حصوله على حقوقه فكثير من حالات الجور و التعسف و اللاعدل يكون مصدرها تجاهل الواجبات فالتاريخ يثبت ان النازية استعملت فكرة الواجب استعمالا سلبيا فكان الجندي الألماني ملزم بأداء الواجب بصورة عمياء وبدون نقاش و هذا ما يترتب عنه الفوضى و غياب هيئة العدالة
التركيب
ان العدالة الحق تتطلب تضامنا بين الحقوق والواجبات فحقوق البعض ما هي إلا واجبات البعض الأخر فالعبرة ليست بأسبقية احدهما على الأخر و إنما إحداث اتزان و توازن بينهما فبقدر ما يقوم الفرد من واجبات بقدر ما ينال حقوقه فمن الإجحاف ان يقتصر الفرد على المطالبة بحقه دون أداء واجبه كما أن القوانين الوضعية الحالية تقوم على الواجبات مقابل الحقوق و إذا كان الحق هو ادعاء تم تبريره بواسطة المجتمع فالواجب يعد بمثابة التزام يلزم الفرد ذاته به ،ومنه فعلى الحاكم أن يلزم المحكومين بأداء واجباتهم و يسهر على تأدية حقوقهم و هذا ما يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية
الخاتمة:
إن العدالة كقيمة أخلاقية تعبر عن عدة إبعاد للإنسان فالمجتمع الذي تتأسس عليه العدالة يضمن أكثر للإنسان إنسانيته فالمحافظة على القيم الاجتماعية تتم بالقانون النابع من العدالة الذي يضمن التوافق و الانسجام بين الحقوق و الواجبات وان وقع إفراط في احد الجانبين اختل التوازن وانهارت العدالة و منه فالعدالة لا تكمن أسبقية احدهما على الأخر بل إحداث نوع من المساواة دون تغليب احدهما على الأخر. .
تعليقات
إرسال تعليق